العربية
100%
تاريخ المرقد العلوي

تاريخ تَذهيب المرقد العلوي المطهر

 

      كان بناء المرقد العلوي في العهد الصفوي مغلفاً بالحجر القاشاني الأزرق بعد اكتمال التشييد، ولكن بعد انتهاء عهد السلطة الصفوية وتولي السلطان نادر شاه الأفشاري الحكم في إيران أَمَرَ بقلع القاشاني عن القبّة والمنارتين والإيوان الشرقي الكبير واستبدالها بالصفائح النحاسية المطلية بالذهب الخالص. وقد ابتدأ العمل بالتذهيب في سنة 1155هـ/1742م وانتهى في سنة 1156هـ/1743م.

     ونقل الشيخ محمد حسين حرز الدين في تاريخه عن كتاب "نادر نامه" (فارسي) 473 ما ترجمته:(حينما صدر الأمر من السلطان نادر شاه بتذهيب القبّة المباركة امتثل أمره بذلك خدّام العتبة الملوكية أحسن امتثال فاعتنوا بتذهيب القبّة المطهرة أحسن عناية, وقد ضبطوا حساب ما صُرف لهذا المشروع فبلغ ما يعادل خمسين ألف تومان, وقد أحال حساب ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام) [1].

    ولعلَّ من المناسب أنْ نذكر هنا ما نقله البراقي في "اليتيمة الغروية" عن الشيخ محمد كبّة في كتابه "الدرر المنثورة" ما نصه: (وفي سنة خمس وخمسين ومائة وألف تم بناء قبّة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بالذهب مع الحضرة الشريفة, والذي بناها نادر شاه حيث نذر إنْ أمكنه الله من بلاد الهند ليفعل ذلك, فأمكنه الله وفتح الهند وبلاد كثيرة ويُقال له أبو الفتوح، فوعد بما عاهد نفسه من النذر) [2].

    وبغض النظر عن السبب الذي دفع نادر شاه إلى تذهيب المرقد العلوي فلا يخفى على المتأمل المعنى الرمزي الكبير لعملية التذهيب والتي تدل على انَّ الذهب قد جاء خاضعاً لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام بعد أنْ زهد فيه وفي الدنيا بأجمعها, وله عليه السلام في ذم الدنيا والحث على الزهد خطب وأحاديث كثيرة.

     ويلاحظ ان عملية التذهيب قد تضمنت الكثير من الزخارف الرائعة والصفائح التي نقش عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقصائد الشعرية باللغات العربية والفارسية والتركية, وتم توثيق عام اكتمال عملية التذهيب وهو (1156ه) بالتواريخ الشعرية وبالأرقام.    

     وقد أرّخ عدد من الشعراء والعلماء عام الشروع بتذهيب القبّة العلوية المطهرة (1155هـ), ومنهم العلاّمة السيد نصر الله الحائري (ت 1168هـ) إذ نظم قصيدة طويلة جاء في بعض أبياتها:

إذا ضامك الدهر يوماً وجارا      ***      فلُذْ بحمى أمنع الخلق جارا

وما يبلغ التبرُ من قبّةٍ              ***       بها عالم المُلكِ زاد افتخارا

تُبدى سناها عياناً فأرّختُ      ***      (آنستُ من جانب الطور نارا) [3]

      ويطوّق القبّة في أعلى الرقبة شريط من المينا الزرقاء نُقشت عليه بحروف ذهبية آيات كريمة من سورة الفتح، ويوجد في أعلى وأسفل الآيات القرآنية أبيات شعرية فارسية وتركية. ومن الجدير بالذكر انَّ وضع الشريط بمكانه قد تمَّ في سنة 1156هـ, إذ كُتِب في اللوحة الأخيرة من حزام القبّة باللغة العربية ما نصه: (فالحمد لله الذي أكرمنا بهذه النعمة العظمى في سنة 1156هـ، قد تشرّف بكتابتها في طهران محمد حسين التبريزي) [4].

        وقد وُضع في أعلى الرمانة الذهبية للقبّة إكليلا ذهبياً ذو رمزية عقائدية مستوحاة من فكر أهل البيت عليهم السلام، إذ يتألف من طُرّة دائرية الشكل يبرز منها أربعة عشر شعاعاً ترمز للمعصومين الأربعة عشر (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين صلوات الله عليهم), ويعلو الطُرّة كفاً كُتب براحته الآية القرآنية {يدُ اللهِ فَوْقَ أَيْديهمْ} سورة الفتح الآية 10، ولا يخفى انَّ الرمزية في الكف تشير إلى الخمسة أهل الكساء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم والى بيعة أمير المؤمنين عليه السلام.

      ووُضع وفي أسفل شرفة المؤذن في كل منارة شريطاً كُتب عليه بحروف ذهبية آيات من سورة الجمعة على أرضية من المينا الزرقاء، وقد  خُتمت الكتيبة باسم كاتبها (مهر علي), ويلاحظ في الصف الأخير من البلاطات الذهبية في قاعدة المنارة الشمالية المجاورة لمرقد العلاّمة الحلي خمسة أبيات فارسية وفي آخرها إسم كاتبها محمد جعفر, وتنتهي القصيدة ببيت يتضمن تاريخا شعريا لاكتمال تذهيب المنارتين (1156هـ)، وهو:

بگفت مقري طبع نواسنج       ***       (تعالى شأنه الله أكبر) [5]

 

      وبالمقابل نُقش على الصف الأخير من الصفائح الذهبية المزخرفة الموجودة في قاعدة المنارة الجنوبية المجاورة لمرقد المقدس الأردبيلي خمسة أبيات عربية. ويشير البيت الأخير في هذه القصيدة إلى عام اكتمال تذهيب المنارتين (1156هـ), والقصيدة هي:

ويعجب كل نور من سناه       ***      كما شمس الضحى بل صار أنورْ

تنوَّرَ عسجداً بمنار عزٍّ         ***       يدوم بقاؤه والليل أدبرْ

نهار مسرة الأمثال أضحى     ***       بذلك صبح أفق المصر أسفرْ

وفاز بذاك (نادر) كل عصر   ***          فسبّح ثم هلّل ثم كبّرْ

وقام مؤذّن التاريخ فيه          ***       يكرّر أربعاً (اللهُ أكبرْ) [6]

 

      ومن الجدير بالذكر إنَّ حساب عبارة (الله أكبر) بقيم الحروف المتعارف عليه يساوي 289، وعندما يُضرب هذا الرقم في أربعة يكون المجموع 1156, وهو يمثّل السنة التي تم فيها اكتمال تذهيب المنارتين. فضلاً عن ذلك فقد تم توثيق تاريخ التذهيب بكتابة عبارة (سعداً عظيماً) منقوشة بالتخريم على شباك صغير بحجم الصفيحة الذهبية يقع في القسم الأسفل من المنارة الجنوبية, فلو جُمِعتْ قيم حروف هاتين الكلمتين وفقاً للحساب المتعارف فإنها تؤلّف الرقم 1156 وهو تاريخ اكتمال التذهيب.

       أما الإيوان الذهبي الكبير فهو بحق رائعة من روائع فن العمارة الإسلامية, وآية في الفخامة والجمال ودقة الصنعة, وهو يحوي الكثير من الزخارف والنقوش والكتابات والقصائد الشعرية باللغات العربية والفارسية والتركية. وقد تم توثيق اكتمال عملية التذهيب بمدوّنة كُتبت بخط الثلث المتراكب ضمن شريط عريض يقع في أعلى واجهة الإيوان الذهبي ما نصها:( الحمد لله تعالى, قد تشرف بتذهيب هذه القبّة المنورة والروضة المطهرة الخاقان الأعظم سلطان السلاطين الأفخم المظفر المؤيد بتأييد الملك السلطان نادر أدام الله ملكه وسلطنته وأفاض على العالمين برّه وعدله وإحسانه, خلّده الله ودولته, سنة ستة وخمسين ومائة بعد الألف, 1156ه).

 

إصلاح القبّة والمنارتين

      لقد جرت عدد من الإصلاحات على القبّة المنورة والمنارتين بعد فترة التذهيب الأولى في عهد نادر شاه ذُكرت في الكتب التي تحدثت عن تاريخ المرقد العلوي ولا سيما كتاب "ماضي النجف وحاضرها" للشيخ جعفر محبوبه وكتاب "تاريخ النجف الأشرف" للشيخ محمد حسين حرز الدين وكتاب "المفصل في تاريخ النجف الأشرف" للأستاذ الدكتور حسن الحكيم.

      أما أهم الإصلاحات فهو ما قام به التاجر النجفي الحاج محمد رشاد مرزه الذي تبرَّع للقيام بترميم التصدّعات في القبّة المنورة وإعادة تذهيبها على نفقته الخاصة بعد نيله موافقة زعيم الطائفة يومذاك سماحة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدّس سرّه. وقد ابتدأ العمل بالتذهيب في سنة 1388ه/1968م وانتهى في سنة 1391ه/1971م. وتمت إعادة تذهيب الصفائح للقسم البصلي العلوي من القبّة الذي يعلو الحزام فقط ولم يشمل العمل اعادة تذهيب الصفائح المغلّفة لرقبة القبّة. وقد تجاوزت كمية الذهب المصروف 50 كيلوغرام, وبلغت مصاريف العمل مليون دينار عراقي أي ما يعادل ثلاثة ملايين دولار في حينه[7] وقد وقفتُ على مدوّنة نُقشت على الجانب الخلفي لإحدى الصفائح الذهبية تؤرِّخ لعام اكتمال التذهيب ما نصه:(تبرع الحاج محمد رشاد مرزه بتذهيب القبة سنة 1391).  

وقد أرَّخ الشاعر الشيخ عبدالغفار الأنصاري عام الشروع بالعمل (1388هـ) بقوله:

قد تجلّت قبّةٌ بالمرتضى       ***      ولها اللهُ جلالاً قد وهبْ

بورك المحسنُ في تذهيبها    ***       فبها نال (الرشادَ) والإرَبْ

ولها من لُطفهِ أرِّخ           ***       (كسا من سنا نور عليٍّ بالذهبْ) [8]

 

مشروع الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة في إعادة التذهيب

     في بداية ثمانينيات القرن الماضي قام النظام البعثي بقلع حزام القبّة وإنزال إكليلها الذهبي فضلاً عن خلع الأشرطة والصفائح الذهبية التي نُقشت عليها القصائد الشعرية بحق أمير المؤمنين عليه السلام بدافع طائفي وعنصري لأنَّ هذه المدوَّنات قد كُتبت باللغات الفارسية والتركية. وأُبدلت المدوّنات الأصلية بصفائح صقيلة سبّبت تشويهاٍ واضحاً في منظر الإيوان الذهبي الذي يُعد السِمة الأجمل في عمارة المرقد العلوي المقدس, أما الإكليل الذهبي الأصلي فقد تم تغييبه وإبداله فيما بعد بإكليل آخر يحمل لفظ الجلالة (الله), في حين ظلّت القبّة عارية من حزامها.

     وبعد قيام الإنتفاضة الشعبانية في شهر آذار من عام 1991م قام النظام البعثي البائد بقصف مدينة النجف الأشرف بالصواريخ وقذائف المدفعية, فأصيبت القبّة الشريفة إصابات بالغة ولا سيما من الجهة الشمالية (جهة باب الطوسي), كما تضررت واجهة الإيوان الذهبي والباب الذهبية الكبيرة بفعل الرصاص وشظايا القذائف, ولم تراعَ حرمة المرقد العلوي المقدس من أزلام النظام الكافر, وبعد إخماد هذه الإنتفاضة تم ترميم الأضرار بشكل متسرع وغير دقيق.  

      وبعد زوال سلطة النظام البعثي في عام 2003م تولت المرجعية الدينية الرشيدة في النجف الأشرف مهمة الإشراف على العتبات المقدسة، وأصدر مجلس إدارة العتبة العلوية المقدسة قراراً نصَّ على: ( إعادة كل ما رُفِع ورفع كل ما وُضِع في زمن النظام السابق ولأغراض سياسية بعيدة عن قدسية وتاريخ العتبة المقدسة وفي أي موقع منها) [9]. وبناءً على ذلك قام المتخصصون في مجال ترميم اللوحات والكتائب التاريخية من لجنة إعمار العتبات المقدسة في إيران بتجديد الكتائب التي تمت إزالتها وتخريبها في عهد النظام البائد والتي كانت مرميّة في أحد مخازن الحرم العلوي الشريف.

      وتم ترميم وتجديد الصفائح الذهبية المطعمة بالمينا الزرقاء الخاصة بشريط القبّة العلوية وأُعلن عن اكتمال العمل في 13 رجب 1430ه الموافق 6 تموز 2009م. أما كتائب الإيوان الذهبي فقد تمت صيانتها وترميميها وطلائها وأُرجعت إلى أماكنها الأصلية ابتداء من سنة 2013م. ومن المناسب أن نذكر هنا قيام الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة بإنجاز صيانة وتذهيب أطواق المنارتين الشمالية والجنوبية في عام 1433ه/2012م.

     واستمراراً للنهج المتبع من قبل إدارة العتبة العلوية المقدسة المتمثل بالإهتمام بالتراث الثقافي المادي وغير المادي للمرقد العلوي المطهر وتوظيف جميع الطاقات والإمكانيات المتوافرة من أجل خدمة هذا المكان المقدس, وبإشراف مباشر من سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله, تم وضع الحجر الأساس لمشروع إعادة تذهيب المرقد العلوي المطهر وذلك صباح يوم الخميس 10 ربيع الآخر 1434ه الموافق 21 شباط 2013م.

    وتتمثل أهمية هذا المشروع في إصلاح التصدعات في جدران القبّة الخارجية وإصلاح الصفائح الذهبية المزينِّة للمرقد المطهر والتي تضررت بسبب الظروف الجوية والأحداث العسكرية, إذ انَّ من أهم الاولويات هو الحفاظ على التراث العمراني والثقافي والشواهد التاريخية للعمارة العلوية الحالية. ومن الجدير بالذكر انَّ مشروع إعادة التذهيب قد تمت الموافقة عليه بعد اطّلاع المرجعية الدينية العليا على جميع التفاصيل وإعطائها التوجيهات اللازمة وتأكيدها على ضرورة الحفاظ على الصفائح الذهبية الأصلية وضرورة صيانتها وطلائها وإعادتها إلى أماكنها الطبيعية من أجل الحفاظ على الجوانب التراثية والتاريخية للمرقد المقدس.    

     وتم الاتفاق على أن يتولى فريق عمل متخصص من كوادر الدائرة الهندسية في العتبة العباسية المقدسة من ذوي الخبرة والمهارة المباشرة بالمرحلة الأولى من مشروع التذهيب وذلك بإعادة تذهيب رقبة القبّة. وبلغ عدد الصفائح الذهبية للرقبة 2525 صفيحة مرتبة بـ 18 صف (حلقة دائرية), ويبلغ قياس الصفيحة الواحدة 18x24 سم, أما كمية الذهب المستعملة فكانت 45 كيلوغرام, واكتملت هذه المرحلة في عام 2014م.

    أما المرحلة الثانية من المشروع المتمثلة بتذهيب القسم العلوي للقبّة فقد أُسندت إلى الكوادر الهندسية والفنية لمؤسسة الكوثر الإيرانية بالتعاون مع كوادر فنية متخصصة من العتبة العلوية المقدسة, وتم في عام 2014 م نصب الركائز الحديدية حول القبّة وقلع جميع الصفائح الذهبية, وفي شهر كانون الأول من عام 2015 تم افتتاح ورشتي العمل الخاصتين بإعادة تذهيب الصفائح الذهبية. وتمت تهيئة جميع الأجهزة والأدوات والمستلزمات المادية الخاصة بالعمل ومن ضمنها إنشاء مصعد كهربائي خاص بنقل المواد المستخدمة في عملية التذهيب.

    وجرى في يوم الأحد 13 ربيع الآخر 1437ه الموافق 24 كانون الثاني 2016م حفل افتتاح الشروع بتنفيذ المرحلة الثانية من اعادة تذهيب القبّة بحضور جمع غفير من الشخصيات الدينية والثقافية والأكاديمية والاجتماعية.

     وكان عدد الصفائح الذهبية المعاد طلائها للقسم العلوي من القبّة (فوق الحزام) 9217 صفيحة تشكل 76 صفاً أو حلقة مطوقة للقبّة, وعند جمعها مع صفائح الرقبة (أسفل الحزام)  البالغ عددها 2525 يكون المجموع الكلي لصفائح القبّة هو 11742 صفيحة. وقد بلغت كمية الذهب المستخدمة في تذهيب القسم العلوي للقبّة بحدود 131 كيلوغرام.

      ونظراً للأهمية التراثية والرمزية الكبيرة للإكليل الذهبي الأصلي المفقود فقد تم تصنيع نسخة طبق الأصل من هذا الإكليل في إيران وذلك بالاستعانة بإرشيف الصور القديمة. وقد روعي في عملية تصنيع الإكليل تطبيق أدق التفاصيل من حيث  المواصفات والحجم وبسعي الدكتور هادي الأنصاري. وتم صنع الإكليل من النحاس في مؤسسة الكوثر في طهران بإشراف مهندسين وخبراء متخصصين بالتراث, وتم طلائه بنحو كيلو ونصف من الذهب الخالص في ورشة العتبة العلوية المقدسة في النجف الأشرف. علماً انّ الإرتفاع الكلي للأكليل مع الرمانة التي يرتكز عليها يساوي 473,5 سم.

      وفي عصر يوم الأربعاء 7 ربيع الأول 1438هـ الموافق 7 كانون الأول 2016م أقيمت مراسم إحتفالية مهيبة لاستقبال موكب الإكليل الذهبي عند دخوله رحاب الصحن الحيدري الشريف شارك فيها رجال الدين ورؤساء العشائر ومنتسبو العتبة المقدسة وزائرو مرقد أمير المؤمنين عليهم السلام, وتم وضع الإكليل في مكانه الطبيعي متوجاً القبّة المنورة لسيد الأوصياء عليه السلام.

     وكان يوم 17 ربيع الأول عام 1438ه الموافق 17 كانون الأول عام 2016م موعداً لحدث تاريخي مهم تمثل بإزاحة الستار عن قبّة مرقد أمير المؤمنين عليه السلام بعد إعادة تذهيبها تزامناً مع ذكرى ولادة سيد الرسل النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلّم. وحضر حفل الافتتاح في الصحن الحيدري الشريف جمع كبير من الشخصيات الدينية والاجتماعية والثقافية والحكومية يتقدمهم المرجع الديني الشيخ محمد إسحاق الفياض ورئيس ديوان الوقف الشيعي السيد علاء الدين الموسوي وامين العتبة العلوية السيد نزار حبل المتين وأمناء وممثلو العتبات المقدسة فضلا عن ضيوف العتبة العلوية المقدسة والآلاف من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام الذين امتلأت بهم أروقة الصحن الشريف وقد تكحلت أعينهم برؤية القبّة العلوية المنورة بحلتّها الذهبية الجديدة بعد إزاحة الستار القماشي الأبيض عنها.

     أما التاريخ الشعري لعام إعادة التذهيب (1438ه) للقبّة العلوية المطهرة فقد نَظم فيه عدد من الشعراء المبدعين ومنهم الشاعر النجفي الأستاذ محمد علي الزهيري إذ يقول:

صَدحَ الحقُّ بصوتِ الشرفِ      ***      وزهى اللؤلؤ بينَ الصَدَفِ

فهنا شلالُ نورٍ دافقٌ               ***       وهنا المجدُ بأعلى الزُلَفِ

وهُنا تاجُ الهدى مؤتلقاً            ***        وبألطافِ المعالي يحتفي

وقبةُ قطبُ رحى الكون الذي      ***      بعلي المرتضى سرٌّ خفي

هي شمسُ الله في أرض الغري   ***       بشعاعٍ دائمٍ لن يختفي

جدَّدوا القبةَ تبراً صافياً            ***         وهيَ للأرواح أسمى هدَفِ

                   وبتاريخٍ (أجدهُ قد زَهتْ *** قبةُ الكرارِ فوقَ النجفِ)

 

وأرَّخ عام التذهيب شاعر العتبة العلوية المقدسة الأستاذ إبراهيم الكعبي فقال في قصيدة مطلعها:

مضى عهد المحبّةِ والتصابي             ***           وهذا الشيب يمحو من شبابي

الى ان يقول:

وهذا التبرُ ينطق كلَّ يومٍ                ***              بتفضيلِ الوصيِّ على الرقابِ

أقولُ مبيِّناً لمؤرخيهِ                ***              (بأنَّ التبرَ قولُ أبي تُراب)

 

كما أنشد الشاعر الكربلائي الأستاذ علي الصفار قصيدة في تاريخ التذهيب قائلاً:

يا قُبَّةً فيكِ رَوحُ الرُّوحِ يَنسَكِبُ             ***     حَيثُ الوجودُ على وَهْمِ الفَنا يَثِبُ

الى ان يقول:

قدْ جَدَّدَ العَزمُ والإخلاصُ عَسجَدَها         ***      فَطأْطأَتْ عِندها الأعيانُ والرُّتَبُ

للدَّهرِ أرِّخْ (عليٌّ يا أبا حسنٍ                ***     بمولدِ المصطفى قَدْ جُدِّدَ الذّهبُ)